الثلاثاء، 5 فبراير 2013

تاريخ قرية ميت رهينة







  • عندما تُذكر عواصم مصر القديمة على امتداد التاريخ المصري القديم في شمال البلاد ووسطها وجنوبها، تأتي عاصمة العواصم ’منـف‘ على رأسها كتاج على رؤوس العواصم جمعاء .. مدينـة المدائـن التي شهدت توحيد قطري مصر على يد رجالها الأشداء من صعيد مصر وعلى رأسهم ’العقرب الثاني‘ (من ملوك الأسرة صفر) والملك ’نعرمـر‘ (رأس الأسرة الأولى)، حيث تم اختيار موقع هذه العاصمة (حوالي 3200 ق.م) بدقة متناهية لتلعب دورها السياسي والاقتصادي والاستراتيجي ولتصبح عاصمة للدولة القديمة على امتداد الأسرات من الأولى إلى الثامنة. وتصبح منـف منذ نشأتها مفتاح حركة الحياة في مصر، ففي ظلها ازدهرت الحياة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية ونهضت العمارة والفنون والفكر الديني حيث كانت المعبر الرئيسي من شمال البلاد إلى جنوبها والعكس. وبعدما شهدت أول عمارة حجرية (في سقارة) وشهدت تطور المقبرة الملكية إلى أن وصلت إلى الشكل الهرمي، صارت جباناتها (جبانة منف الممتدة من ’أبو رواش‘ شمالاً حتى ’ميدوم‘ جنوباً) أشهر جبانات مصر قاطبةً. وإذا كانت منـف قد توقفت -لفترة محدودة- عن أن تلعب دوراً سياسياً مع نهاية الدولة القديمة، إلا أنها لم تفقد مطلقاً دورها كمركز ثقل في حركة الحياة في مصر القديمة .. فهي المدينة التي إليها وإلى معبودها ﭘـتاح (صاحب إحدى نظريات خلق الكون ’نظرية منف‘ وأحد المعبودات المهيمنة على الحياة الدينية في مصر) سعى معظم ملوك مصر عبر كل العصور، يُكرِّسون الأبنية ويُقيمون المقاصير واللوحات تبرُّكاً بالمدينة وربها، وظلت بمثابة المرآة التي تعكس وجه مصر الحضاري. وعندما تعرضت مصر لرياح عاتية مُتمثّلة في كل الذين حاولوا غزوها، كان لمنـف دورها البارز في الصمود والكفاح، فكانت بمثابة المفتاح لكل بوابات مصر.. فما استطاع مستعمر لمصر القديمة أن يصل إلى عمق البلاد إلا إذا تمكّن من السيطرة على منـف. وقد ظلّت منـف تُعبّر دائماً عن حالة التوهّج للحضارة المصرية، و’الترمومتر‘ الذي يُعبّر عن معنويات شعب مصر إن ارتفاعاً أو هبوطاً، والملاذ دائماً عند كل الأزمات. وأدرك كل الغزاة موقع وموضع منف في قلوب وعقول المصريين، فكانوا يسعون إليها سلماً أو حرباً مُدركين أن السيطرة على منـف هي السيطرة على كل مصر، وعندما قَدِمَ الإسكندر الأكبر إلى مصر وأدرك قيمة منـف زارها وتبرّك بمعبودها واحتفل مع أهلها من المصريين تعبيراً عن الاحترام للتقاليد المصرية. وارتبط حكام مصر من البطالمة بهذه المدينة العظيمة، وحمل بعض ملوكهم لقب ’محبـوب بتاح‘ (ﭘـتاح) ضمن أسمائهم التي ضمتها خراطيشهم .
  • منذ نشأتها، تحمل مدينة منـف اسم ’إنـب حـﭻ‘ أي ’الجـدار الأبيـض‘، ثم تحمل ابتداء من الأسرة السادسة اسم ’مـن نفـر‘ ومعناه ’ثابـت وجميـل‘، ومنذ الدولة الوسطى يُطلق عليها اسم ’عنـخ تـاوي‘ أي ’حيـاة الأرضين‘ والمقصود بالأرضين هنا قطرا مصر (الوجهين البحري والقبلي)، ثم ’مخـات-تـاوي‘ أي ’ميـزان الأرضـين‘. ثم ابتداء من الدولة الحديثة يُطلق عليها اسم آخر، ألا وهو ’ميـت رهنـت‘ أي ’طريـق الكبـاش‘ (وهو فعلياً طريق تماثيل أبو الهول بين المدينة وجبانتها).. ذلك الاسم (ميت رهينة) التي تُعرف به منذ دخول العرب مصرَ في منتصف القرن السابع الميلادي (مائة رهينة؛ منية هينة؛ ميت رهينة) تلك القرية التي تتوسط الأطلال الأثرية لمدينة منف القديمة. كما ظهر أيضاً إبان الدولة الحديثة (وتحديداً الأسرة التاسعة عشر) ثلاثة أسماء أخرى للمدينة: اثنين يربطاها بمعبوديها الأكثر أهمية (الخالق ’ﭘتاح‘، و ’تاتنن‘: ’الأرض البارزة‘ من المحيط الأزلي)، فعُرِفت باسم ’نيـوت ﭘـتح‘ أي ’مدينـة ﭘـتـاح‘ و’نيـوت تاثـنن‘ أي ’مدينـة تاتـنن‘. أما الاسم الثالث فهو ’نيـوت-حـح‘ أو ’نيـوت-نحـح‘ أي ’المدينـة الأبديـة‘ أو ’المدينـة الخالـدة‘...، وغيرها من الأسماء والصفات والنعوت التي أُطلقت عليها كـ ’ﭘت-ن-كمت‘ أي ’سـماء مصـر‘، و ’حوت-كا- ﭘـتح‘ أي ’معبد قرين (روح) ﭘـتاح‘ وهو الاسم الذي تعلّق به المصريون فسمّوا معبد ومدينة ’دندرة‘: ’را-حوت-كا- ﭘـتح‘ تمييزاً عن نظيره في منـف .
  • منـف، مدينة المدائن في مصر القديمة والتي كانت عاصمة ’إنـب-حـﭻ‘ (الجدار الأبيض) أول أقاليم مصر السفلى ، حالياً هي مجموعة من الأطلال الأثرية في مساحة تقدّر بحوالي 600 هكتار (؟) تقع في سهل متسع حيث تلتقي مصر العليا بمصر السفلى، على بعد 25 كم من رأس الدلتا جنوب وسط القاهرة تقريباً، و 35 كم جنوب-وسط القاهرة على الضفة الغربية للنيل على بعد 3 كم منه، فيحدها النيل من الشرق بجوار التلال وأيضاً من الغرب بإحدى فروعه حيث الهضبة مرتفعة عن شرقها، وعلى بعد حوالي 14 كم بين أبو صير شمالاً ودهشور جنوباً، في الشمال عند ’كفر (كوم) القلعة‘، ويبعد موقعها عن أهرام الجيزة حوالي 17.5 كم تقريباً. تتبع حالياً العياط-مركز البدرشين بمحافظة الجيزة، بالقرب من المعادي و’محاجر كوتسيكا-طره-المعصرة‘ والعُمري (’رآو‘) وحلوان (’عنـو‘ القديمة، عزبة الوالدة ‘Ezbet al-Walda حالياً)، عند قريتي ’ميت رهينة‘ و’العزيزية‘ الحاليتين (58.8 ً 51 َ 29 ْ شمال خط الاستواء و 15.4 ً 15 َ 31 ْ شرق خط جرينتش) ، بالإضافة إلى المنطقة المحيطة بهما، حدودها الشمالية عند بلدة ’المنوات‘، أما حدودها الجنوبية فتقع عند ’تل/كوم القلعة‘ (=دهشور)، وأنقاضها السكنية ومنطقة معابد أربابها التي يحدها حرم شاسع يطابق موقعها حالياً قرى ومدن ’العزيزية‘ ‘Aziziya ، ’عزبة الجابري‘ ‘Ezbet Gabri ، ’ميت رهينة‘ Mit-Rahina ، ’البدرشين‘ Al-Badrashin ، و’شِنباب‘ Shinbab ؛ مشتتة بأطلالها الأثرية وبجوارها حتى سـقارة Saqqara .
  • ولأهمية تلك المدينة، أُدرِجَ ’موقـع منـف القديمـة وجبّـانتهـا‘ المتراميـة الأطـراف ’مـن الجيـزة (33.8 ً 58 َ 29 ْ شمالاً، و 49.5 ً 7 َ 31 ْ شرقاً) إلـى دهشـور‘، برقـم (86) على قائمـة التـراث العالمـي WHC لمنظمـة اليونسـكو Unesco في 9 مارس/10 أبريل عام 1979 م اعتماداً على المعايير الثقافية الأول والثالث والسادس [Criteria: C (i) (iii) (vi)]، كما تم عمل ’تقـريـر تقييـم الموقـع‘ عام 1998 م www.unesco.org/whc/sites/86.htm .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق